بسم الله
الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا
النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ).
وقال عز وجل: ( وَكُلُوا
مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ).
وفي آية أخرى: ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا
طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) والآيات الواردة في الحلال والحرام لا تحصى
ولا تعد حتى إحدى الآيات تأمر بأكل الحلال قبل العمل قال تعالى: (كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا ).
فالمراد هنا أن يحل
الإنسان مطعمه قبل أن يعمل الصالحات ويؤدي العبادات فذلك أهم شيء حتى يقبل
منه ما يعمله. وفيما روي عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال: ( رب أشعث أغبر مشرد في الأسفار مطعمه حرام وملبسه حرام
وغذي بالحرام يرفع يديه فيقول يا رب يا رب فأنى يستجاب لذلك ). وقال صلى الله عليه
وسلم: ( كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به ).
وطلب الحلال فريضة على كل
مسلم ومعرفة الحلال من الحرام هي من العلم المفروض على كل مسلم أن يتعلمه وأن يعود
إليه في كل حين وكلما اشتبه عليه أمر من الأمور. وتفصيل الحلال والحرام موجود في
كتاب الفقه وعلى المسلمين أن يعودوا إليها ولا يفتي أحدهم بما لا يعلم ويقول هذا
حلال وهذا حرام، قال تعالى: ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب
هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّه الْكَذِب إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب لَا يُفْلِحُون ).
وعلى المسلم أن يعلم أن
الأصل في الأشياء الحل أي الحلال إلا ما حرمه الله عز وجل في كتابه أو في سنة نبيه
صلى الله عليه وسلم أو ما أجمع عليه علماء المسلمين. لأن التحريم بالهوى إنما هو شرك
والعياذ بالله. الذي يحرم ويحلل ليرضي أهواءه أو أهواء الناس فهو مشرك مثل بني
إسرائيل الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله يحرمون لهم ويحللون.
والحرام على أصناف منها ما
هو حرام لذاته ومنها ما هو حرام لخلل في جهة اكتسابه. فأما الحرام لذاته فهو
كالسموم والخمر والخنزير وغير ذلك من المأكولات المحرمة فالمأكولات على وجه الأرض
ثلاثة أقسام: معادن ونباتات وحيوانات، فلمعادن كالأملاح مثلا وجميع ما يخرج من
الأرض فلا يحرم أكلها إلا إذا كانت تضر بالآكل فكل ما هو ضار فهو حرام ولو كان الخبز مضراً لكان أكله محرماً.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ
رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ).
وأما النباتات فلا يحرم
منها إلا ما يزيل العقل كالخمر والمسكرات والمخدرات. وما يزيل الحياة كالأعشاب
السامة والفطور السامة وكل أنواع السموم. وما يزيل الصحة كالأدوية في غير وقتها
والدخان الذي يسمونه أيضاً الكيف فهو حرام لأنه ضار وكل ضار حرام فهو انتحار بطيء
يقتل الإنسان نفسه بنفسه ببطء وفيه تبذير للمال في أمر غير مفيد بل في أمر ضار
وليس فيه أي فائدة إلا للشركات اليهودية التي تعمل على تصنيعه وفيه ضرر لمن حوله
من الناس. و إذا دخل المسجد أضر من حوله من المصلين برائحة فمه ونفرهم منه كآكل
البصل أو الثوم بل هو أبشع.
وأما الحيوانات فمنها ما
يحل أكله ومنها ما يحرم أكله كالخنزير مثلا وما يحل أكله فإنما يحل إذا ذبح ذبحاً
شرعياً إسلامياً وأما ما لم يذبح فهو حرام وهو ميتة وكل ميتة حرام إلا ميتتان
السمك والجراد.
قال تعالى: (حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ
وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى
النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أحلت لنا ميتتان
ودمان السمك والجراد والكبد والطحال ).
والنوع الثاني من الحرام
هو الحرام لجهة اكتسابه والحصول عليه فالخبز إذا كان مسروقا فهو حرام ومال الربا
حرام والمال المأخوذ ظلماً وعدواناً وأموال اليتامى. قال تعالى: ( وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِل ). وقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ
أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا
وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ).
أما الربا فهو من أكبر
المحرمات ولذلك توعد الله عز وجل آكل الربا بالحرب ولم يتوعد أحداً بالحرب إلا آكل
الربا قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا
بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ). ثم قال: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) ثم قال: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ
رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ) ثم قال: (وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ ). فجعل آكل الربا في أول الأمر مؤذناً بمحاربة الله ورسوله وفي
آخر الأمر متعرضاً لنار جهنم وخالداً فيها.
روي أن أبا بكر الصديق رضي
الله عنه شرب لبناً أتى به عبده ثم سأله عنه فقال تكهنت لقوم فأعطوني (يعني كذب
عليهم كما يفعل المنجمون اليوم ) فأدخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه أصابعه في فمه
وجعل يقيء حتى أخرج اللبن ثم قال اللهم أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء.
فعلى الإنسان أن ينتبه إلى
ما يأكله وأن يسأل عنه وأن يتجنب مواضع الريبة ويجتنب الشبهات.
قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ( إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من
الناس فمن اتقى الشبهات استبرئ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ). لأنه كما الحلال كله طيب ولكن بعضه
أطيب من بعض فكذلك الحرام كله خبيث ولكن بعضه أخبث من بعض. لذلك لا بد من الامتناع
عن أكل ما هو حرام وعن كل ما يؤدي إلى حرام أو فيه احتمال تحريم أو شك أو شبهة.
وعلى الإنسان المسلم أن
يرد كل ما يعرض له من أمور إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وأقوال الفقهاء في كتب الفقه المعروفة. وعليه أن يتعلم أن كل ما هو نافع ومفيد
فالأصل فيه أنه حلال وكل ما هو ضار مؤذي وكل ما هو خبيث ومستقبح فالأصل فيه
التحريم. وان كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام وأن التحايل على الحرام حرام. وما هو
حرام فعله بالمسلم كالسرقة مثلاً فهو حرام فعله بالناس جميعاً. قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ( من غش فليس منا ) أي من غش أياً من الناس سواء كان مسلماً أو
كافراً فهو ليس من المسلمين.
وكل ما هو حرام ففيه مضرة
عاجلة أو آجلة حتى ولو لم يعلمها الإنسان مباشرة. ودائماً نجد في الحلال ما يغني
عن الحرام فبالزواج غنى عن الزنا وبالكسب المشروع والعمل الحلال غنى عن السرقة وهكذا
هناك تقابل لكل أمر محرم شرع الله مقابله أمراً حلالاً يغني عنه فماذا علمنا من
ذلك بقي أن نعلم أن هناك قاعدة شرعية تقول الضرورات تبيح المحظورات فهناك دائما
استثناءات للمضطر. وكل ضرورة تقدر بقدرها ويجب فيها سلامة نية المضطر. قال تعالى:
( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ
فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ). والضرورة هي
الضرورة القصوى والملحة أي أن لا يجد الإنسان ما يأكله وإذا لم يأكل فسوف يموت من
الجوع. لا أن يخلق لنفسه الأعذار بغير ضرورة ويقول أنا مضطر.
كان الصحابة والتابعين رضي
الله عنهم أمثلة حية في الورع والابتعاد عن الحرام وعن الشبهات حتى أنهم كانوا
يبالغون في ذلك روي أن عمر بن عبد العزيز كان يوزن بين يديه مسكً للمسلمين فسد أو
أبعد أنفاسه حتى لا تصبه الرائحة ولما سئل عن ذلك قال وهل ينتفع من المسك إلا من
ريحه.
وكان بشر الكافي رحمه الله
من الورعين فقيل له من أين تأكل فقال من حيث تأكلون ولكن ليس من يأكل وهو يبكي كمن
يأكل وهو يضحك وقال يد أقصر من يد ولقمة أصغر من لقمة. وهكذا كانوا يحترزون من
الشبهات.
وقال سهل التستري: لا يبلغ
العبد حقيقة الإيمان حتى يكون فيه أربع خصال: أداء الفرائض بالسنة – وأكل الحلال
بالورع – واجتناب النهي ظاهراً وباطناً – والصبر على ذلك إلى الموت.
نذكر مرة أخرى بقواعد
الحلال والحرام:
·
كل ما هو نافع ومفيد الأصل فيه التحليل وكل ما هو ضار
ومؤذي فالأصل فيه التحريم.
·
كل ما هو حرام ففيه مضرة عاجلة أو آجلة.
·
كل ما يؤدي إلى حرام فهو حرام.
·
التحايل على الحرام حرام.
·
الضرورات تبيح المحظورات مع سلامة النية.
·
التحريم بالهوى قرين الشرك.
·
كل تحريم وتحليل هو من عند الله من القرآن الكريم والسنة
الصحيحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق