بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّ
الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ
الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ
الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ () نَحْنُ
أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ () نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ
رَّحِيمٍ () وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
توجه صحابي جليل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال له: يا رسول الله أوصني وصية لا أسأل عنها أحداً غيرك فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم.
كلمة جامعة لكل نواحي الخير. الإيمان أن تعلم أن كل
شيء إنما يجري في هذا الكون بأمر الله، هو أن تعلم في قرارة نفسك وتستيقن بأن الله
تعالى هو خالق الكون كله وهو مدبر الأمر كله ولا راد لقضاءه أو معقب لحكمه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان أن تؤمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره.
الإيمان يطمئن القلوب والنفوس ويجعل الإنسان دائماً
مطمئناً بالله عز وجل مسلماً لأمره. شعلة في قلب المؤمن تدفع عنه كل أذى أو شر، وتدفع
عنه وساوس الشيطان. فلا يسأل المؤمن لماذا أصابني هذا أو حل بي هذا لأنه يعلم أن
كل شيء بأمر الله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس الإيمان
بالتمني لكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العقل. فالإيمان بدون عمل هو إيمان
ناقص والعمل هو دليل الإيمان.
والمؤمن يسلم جميع أمره لله عز وجل. قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لا يقول أحدكم لو فعلت كذا لكان كذا ولكن ليقل قدر الله وما
شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان).
والاستقامة هي تقوى الله عز وجل، هي العمل بالتنزيل
والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل كما قال الإمام علي رضي الله عنه.
جاء صحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
له أوصني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك
وابكي على خطيئتك).
والاستقامة هي الائتمار بالأوامر والانتهاء من
النواهي والابتعاد عن الشبهات، وهي تتلخص في المقولة المشهورة دع ما يريبك إلى ما
لا يريبك.
والإيمان على مراتب، وهو يزداد في القلب، وفي حياة
صاحبه يزيد ويزيد حتى يملأ القلب والوجود ويكون لصاحبه نوراً يضيء حياته، فيتمثل
الإيمان في كل أعماله فيصبح كلامه إيمان ونظره إيمان وسمعه إيمان وفكره إيمان وكله
إيمان. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ). وقال الإمام الشافعي رحمه الله :الإيمان
قول وعمل يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
لذلك فقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه
أولاً على الإيمان والعقيدة حتى ترسخت جذورها في أنفسهم وثبتت أصولها وأشرقت بنور
ربها. ثم بعد ذلك نزلت بقية الشريعة والتكاليف. قال عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه :أوتينا الإيمان قبل القرآن. أي تربينا على العقيدة الإسلام والإيمان بالله
تعالى قلب أن نتعلم كتاب الله فالتربية يجب أن تسبق العلم.
وقد أوضح الله سبحانه وتعالى الفرق بين الإيمان
والكفر وبين المؤمن والكافر حيث ضرب لذلك مثلان مؤثران ومعبران، قال تعالى: (أَلَمْ
تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ
بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ
مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)).
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل
حارثة رضي الله عنه فقال له: (كيف أصبحت يا حارثة؟) قال حارثة: أصبحت مؤمناً حقاً،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟) فقال حارثة:
عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي ذهبها ومدرها، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة
يتنعمون، وكأني أنظر إلى أهل النار في النار يتعذبون، وكأني أرى عرش ربي بارزاً من
أجل ذلك أسهرت ليلي وأظمأت نهاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عرفت
فالزم). ثم قال: (عبدٌ نور الله قلبه بالإيمان). فقال حارثة يا رسول الله ادع الله
أن يرزقني الشهادة في سبيله، فدعا له فكان من شهداء بدر رضي الله عنه وأرضاه.
وجاءت أمه فقالت يا رسول الله أنت تعرف مكانة حارثة في قلبي فإن كان في الجنة فرحت
وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أم
حارثة إنها ليست جنة واحدة إنها جنات ولقد دخل حارثة الفردوس الأعلى). فذهبت أم
حارثة وهي تضحك وتقول: بخٍ بخٍ يا حارثة هنيئاً لك الجنة.
في هذا الموقف عبر وعظات كثيرة وكبيرة فإيمان حارثة
لم يكن إيمان باللسان بدون عمل بل كان كما قال: أسهرتَ ليلي وأظمأت ناري، فاستوى
عندي الذهب والتراب. عاش وكأنه في الجنة ينظر إلى أهل الجنة وينظر إلى أهل النار
ويرى قضاء الله تعالى. فرأى النتيجة والثمرة رأى العقاب والثواب فقام الليل وصام
النهار تقرباً لله تعالى وطاعة له.