بسم الله
الرحمن الرحيم
قال تعالى في كتابه
العزيز: (إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم
أموالكم () إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا وخرج أضغانكم () ها أنتم تدعون لتنفقوا في
سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء
وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
فإذا امتثل أحدنا لأمر
الله عز وجل في الزكاة وأراد أداء حق الله عليه في المال الذي أعطاه فعليه أن يعلم
كيف يؤدي الزكاة ولمن يعطي المال.
على مؤدي الزكاة أن يراعي
عدة أمور:
أولًا التعجيل والمبادرة
بدفع الزكاة عقب الحول أو قبله. وفي ذلك إظهار للرغبة في الامتثال لأمر الله
وإيصال السرور إلى قلوب الفقراء ومبادرة لعوائق الزمان. فينبغي أن يغتنم أحدنا
فرصة تمكنه ومصادفته من يستحق الزكاة وأن لا يدع للشيطان مجالًا فحيل الشيطان
كثيرة وتقلب المؤمن سريع. فمن حيل الشيطان حيلة السبب الوحيد وهي أن يقول الإنسان
لنفسه بقي لي هذا الشيء أحصل عليه ثم أتصدق فيما يبقى لي. ولكن بعد هذا الشيء
يُظهر له الشيطان شيئًا آخر وهكذا .. قال تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم
بالفحشاء والمنكر). ومن أخَّر زكاة ماله فقد عصى ولا تسقط عنه الزكاة إن تلف ماله
بعد ذلك.
أما الأمر الثاني فيغفل
عنه الكثيرون وهو أن لا ينقل الزكاة إلى بلد آخر لأن فقراء البلد التي يوجد فيها
المزكي هم أولى من غيرهم بالزكاة إذا لم يوجد لهم ما يسد حاجتهم ولأن أعين
المساكين في كل بلدة تمتد إلى أموالها وفي نقل الزكاة تخييب لهم. وقد نهى الأئمة
عن ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: (ادعهم إلى
أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله
افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله
افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم). ولو أن أغنياء كل بلد دفعوا
زكاة أموالهم لما بقي بينهم فقراء.
الأمر الثالث أن يسر
المزكي في زكاته ليبتعد عن الرياء والسمعة ويكون مخلصاً لله عز وجل لا يرجو بصدقته
رؤية الناس له. وكذلك حتى لا يؤذي الفقير بإظهاره محتاجًا أمام الناس وهتك ستره.
وعليه أن يعلن صدقته حين يقتضي الأمر الإعلان وذلك إذا علم أنَّ في إعلانه ترغيب
للناس بالاقتداء به وخاصةً إذا كان السائل مستحقًا وقد سأل على ملأ من الناس. قال
تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعمَّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم)،
وقال في آية أخرى (وأنفقوا في سبيل الله سراً وعلانية).
رابعًا على المزكي أن لا
يفسد صدقته بالمن والأذى قال تعالى: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى). والمن أن
يذكرها ويتحدث بها أمام الناس أو أن يستخدم الفقير في العطاء أو أن يتكبر عليه
لأجل عطائه ومن المن أن يرى نفسه محسناً إلى الفقير منعماً عليه بينما يجب أن يرى
الفقير محسناً إليه بقبول حق الله عز وجل منه وفي ذلك طهرٌ له من البخل ونجاةٌ له
من النار، فهو إنما يحسن لنفسه مظهراً امتثاله لأمر الله عز وجل مزكياً لنفسه
وشاكراً لنعم الله عليه وطالباً للمزيد منه. وأما الأذى فأن يعيِّر الفقير في فقره
أو أن ينتهره أو يوبخه لسؤاله. ومصدر ذلك رؤيته أنه خير من الفقير وهذا جهل لأنه
لو عرف فضل الفقر وخطر الغنى لما فعل ذلك.
خامساً: أن يستصغر عطاءه
ولا يستعظمه فهو إن استعظمه أعجب به والعجب من المهلكات وهو محبط للأعمال. وقد
قيل: لا يتم المعروف إلا بثلاث: تصغيره وتعجيله وستره.
سادساً: أن ينتقي من ماله
أجوده وأحبه إليه وأجله وأطيبه فإن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، ومن سوء الأدب أن
يأخذ الجيد لنفسه وأهله ويخرج الرديء في سبيل الله. قال تعالى: (يا أيها الذين
آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه).
فإذا امتثلنا لأمر الله عز
وجل في الزكاة وعرفنا الصفات التي يجب أن يتحلى بها المزكي فبقي أن نعلم لمن تعطى
زكاة المال ومن هم مستحقيها. تعطى الزكاة لكل مسلم من الأصناف الثمانية التي ذكرها
الله عز وجل في قوله: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليم
حكيم).
والفقير هو من ليس له مال
ولا قدرة على العمل فمن قدر على العمل فليس بفقير.
أما المسكين فهو الذي لا
يكفيه دخله لقضاء حاجاته وإن كان يملك داراً أو أثاثاً أو ثوباً.
والعاملون عليها هم الذين
يجمعونها ويوزعونها.
والمؤلفة قلوبهم على
الإسلام هم الذين أسلموا وإسلامهم ضعيف أو كانوا شرفاء في قومهم ومطاعين ففي
إعطائهم تقرير لهم على إسلامهم وترغيبٌ لهم ولغيرهم بالإسلام.
والرقاب هم العبيد فيدفع
لهم ما يفكوا به رقابهم.
والغارم هو الذي استدان أو
اقترض في أمر مباح ولا قدرة له على وفاء دينه.
وفي سبيل الله هم الغزاة
المتطوعون بالجهاد فتعطى لهم إعانة لهم على الجهاد ولو كانوا أغنياء.
وابن السبيل هو المسافر
سفراً مباحاً يعطى من الزكاة إن كان فقيراً أو يعطى ما يوصله إلى بلده وماله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق