الجمعة، 12 يوليو 2013

خطبة تربية المراهق



بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).
قال علي رضي الله عنه: يعني أدبوهم وعلموهم وكذلك قال ابن عباس في تفسير هذه الآية اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهلكم بالذكر ينجيكم الله من النار. اتقوا الله وأوصوا أهلكم بتقوى الله. مروهم بطاعة الله وانهوهم عن معصية الله. فمسؤولية كل مسلم أن يعلم أهله وأولاده وأقرباؤه ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). فالأب راع ومسؤول عن رعيته. ومسؤولية تربية الأولاد مسؤولية مهمة وخطيرة ودقيقة. فعلى المربي أن يعامل الطفل بحسب سنه وبحسب فهمه وبحسب لغته. لأن لكل عمرٍ وسائله ولكل حالٍ مقتضاه.
حديثنا اليوم عن مرحلة المراهقة وهي المرحلة الحرجة التي يمر بها كل إنسان والتي تحتاج إلى المزيد من الجهد والتخطيط في التربية. فالمراهقة هي مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرجولة أو الأنوثة. هي المرحلة التي تنضج فيها قدرات الإنسان ويجري فيها التكليف وتحمل المسؤولية. لذلك اهتم الإسلام بهذه المرحلة اهتماماً واضحاً في هدي القرآن الكريم والسنة المطهرة.
يمر المراهق في هذه المرحلة بتغييرات جسمية وعقلية ونفسية واجتماعية، فينمو جسده بسرعة ويزداد حجمه ووزنه وينمو هيكله وأعضاؤه، كما يخشن صوته وتبدأ ملامح الرجولة عليه بالنسبة للشاب، وملامح الأنوثة بالنسبة للفتاة.
ثم ينمو ذكاؤه وقدرته العقلية وقدرات التفكير والتذكر والتخيل والتعلم. وتكثر أسئلته حول الأمور العامة والخاصة، ويهتم بالقصص وخاصة الجنسية منها، ويهتم بالأبطال والمشاهير ويحاول تقليدهم. يصاحب ذلك تغييرات نفسية فيصبح المراهق سريع الغضب وسريع التقلب والتغير، يريد أن يثبت أنه صار كبيراً رجلاً أو امرأة، له رأيه وشخصيته ولم يعد طفلاً صغيراً. ويصبح شديد الحساسية ويرغب بالاستقلال بنفسه والاعتماد على نفسه بعيداً عن أسرته. ويرغب بالانضمام إلى رفقة أو صحبة تشاركه مشاعره وتعيش المرحلة نفسها من العمر.
والإسلام الدين الكامل الشامل لأمور الحياة وأحوالها اهتم بتربية المراهق ودعا إلى غرس العقيدة الصحيحة والسليمة في نفسه وتربيته على الأخلاق الإسلامية القويمة وتوجيه قدراته وترشيد حاجاته حتى يكون مسلماً فاعلاً في المجتمع قادراً على حمل الإسلام ونشره بين الناس.
العقيدة الإسلامية هي أول ما يجب غرسه في نفس المراهق، ويكون ذلك بتعريفه بالإسلام وبأننا مسلمون لنا هويتنا الخاصة بنا ومأمورون بعبادة الله وطاعته وشكره على نعمه. ولنا في رسول الله أسوة حسنة عندما خاطب الصحابي الشاب عبد الله بن عباس فقال له: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
ويجب على الأب والأم أن يغرسوا في أبنائهم الأخلاق الإسلامية الفاضلة التي يتأدب بها المسلم مع نفسه ومع غيره كالشجاعة والكرم والحلم والثبات وكظم الغيظ والعفة والحياء والقناعة والعدل والحكمة والصدق والأمانة والصبر. أن ينهوهم عن الأخلاق السيئة كالكذب والغيبة والنميمة والحسد والبغض والبخل. ويكون ذلك بالمتابعة المستمرة والتشجيع المستمر والرفق والتأنيب غير العنيف والتوجيه غير المباشر للأخلاق.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة عندما جاء إليه شاب في مقتبل العمر وطلب منه أن يأذن له بالزنا. فغضب الصحابة وأرادوا الإمساك بذلك الشاب فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجلس الشاب وأخذ يحاوره. فقال له: يا بني أترضى ذلك لأمك؟ قال لا، قال لأختك، قال لا ... وهكذا ثم قال له وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم وأخواتهم. ثما دعا الله أن يشرح صدره للإسلام وأن يطهر فرجه عن الحرام. قال الشاب بعد ذلك: والله خرجت من عند رسول الله ثلى الله عليه وسلم ولا شيء عندي أبغض من الزنا.
بعد غرس العقيدة الإسلامية والأخلاق الإسلامية على الأهل أن يحاولوا توجيه انفعالات المراهق إلى الاتجاه الصحيح. مثلاً نوجه غضبه إلى القضايا الكبرى التي تهم المسلمين إلى محارم الله التي تنتهك. نوجه خوفه ليكون خوفاً من الله تعالى ومن عقابه وخوف من الذنوب وعواقبها. نوجهه إلى الخوف على المة الإسلامية وعلى ضياعها وتشتت شملها وتفرقها. فيدفعه ذلك إلى العمل لمصلحة الإسلام والمسلمين عملاً واعياً وجاداً.
ومن ذلك توجيه العواطف فالمراهق يشعر بعاطفة حب فياض في نفسه ناتجة عن نشاط غدده الجنسية وهذه العاطفة قد تتطور إلى دافع جنسي وقد ينتج عنها الوقوع في الحرام ما لم ينتبه الأهل إلى ذلك ويوجهوا هذه العاطفة في اتجاهها الصحيح. فالإسلام لا يكبت العواطف والدوافع الفطرية ولا يقبل إضعافها بل ينظمها ويضعها في إطارها الصحيح وفي طريقها الطبيعي وهو الزواج. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء). فالزواج استجابة فطرية لتلبية دافع فطري وحاجة ملحة كالطعام والشراب.
وكذلك يجب توجيه عاطفة الحب لدى المراهق إلى حب الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإلى حب والديه وبرهما والعطف عليهما والسهر على راحتهما وطاعتهما. وإلى حب الخير وفعله بين الناس وحب أخوته المسلمين ونصرتهم ومساعدتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
من الأمور الأخرى التي يجب الانتباه إليها العادات فيجب مراقبة المراهق ومراقبة عاداته ووضعها في المسار الصحيح وتوضيح رأي الإسلام فيها. فالعادات الحسنة نؤكدها وننميها والعادات السيئة نعالجها معالجة حسنة.
من العادات السيئة التي تصيب المراهقين مثلاً العادة السرية التي ينبغي للأهل أن يوجهوا أولادهم للابتعاد عنها عن طريق الإقناع والحوار والمصارحة وتوضيح الضرر من ذلك ورأي الشرع فيه.
كذلك من العادات السيئة التميع والتخنث وتشبه الرجل بالمرأة أو تشبه المرأة بالرجل. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء. وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل. فعلينا أن نغرس في الشاب معاني الرجولة والمروءة والخشونة حتى يكون أهلاً لحمل المسؤولية ومصاعب الحياة.
وللمراهق حاجات نفسية واجتماعية وثقافية يجب تلبيتها وتنظيمها. فأهم الحاجات النفسية الحاجة إلى عبادة الله تبارك وتعالى وهي ميل وتوجه فطري يجب تنميته وتشجيعه واستثماره بإرشاد المراهق إلى العبادات: إلى أداء الصلوات المفروضة في وقتها والمحافظة عليها وصلاة النوافل، إلى صيام رمضان وصيام النوافل، إلى قراءة القرآن والاستماع إليه، إلى قيام الليل، إلى ذكر الله عز وجل، إلى قراءة الكتب الإسلامية، وسماع المحاضرات الإسلامية، إلى صلة الرحم وزيارة الصالحين، إلى الارتباط بالمسجد أو المركز الإسلامي.
يحتاج المراهق دوماً إلى تشجيع مستمر ورفع معنويات ويجب تجنب السخرية منه أو وصفه بالصغر والطفولة ويجب إشعاره بدوره في الأسرة والمجتمع. عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر في المشورة (وكان دون الحلم من العمر)، فكأن بعضهم وجد في نفسه شيئاً فقال لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر إنه حيث علمتم. ثم دعاه مرة فأدخله معهم وقال ما تقولون في قوله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح)، فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. فقال عمر: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت لا فقال فما تقول؟ قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له فقال (إذا جاء نصر الله والفتح) وذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً)، فقال عمر ما أعلم منها إلا ما تقول.
وعلى الأهل أن يختاروا لأولادهم الصحبة الصالحة والرفاق الصالحين المثقفين وعليهم أن يتعرفوا على أصدقاء أولادهم ويطمئنوا على أخلاقهم ويخالطوهم لأنهم هم المؤثر الأول على أولادهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
وأخطر شيء في حياة المراهق هو وقت الفراغ وخاصة مع قدوم الصيف والعطل، فإذا لم يشغل وقت فراغه بالأعمال المفيدة والنافعة وبالأنشطة والمسؤوليات اتجه إلى اللعب والتسكع في الشوارع والانحراف.
وقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على تحمل المسؤولية وهم في سن المراهقة فأمر أسامة بن زيد على جيش المسلمين وهو ابن خمس عشرة سنة وكان في الجيش أكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم.
والمراهق هو بأشد الحاجة في عمره هذا إلى الاستطلاع والتعرف على الأشياء فهو يسأل ليشبع حاجته ويروي ظمأه لذلك يجب الاهتمام بهذه الحاجة وتوجيهها وإعطائه الإجابات الصحيحة عن كل ما يسأل لأنه إن لم يحصل على إجاباته في أسرته سيسأل عنها في الشارع، وقد يجره ذلك إلى رفقة السوء والتجمعات المشبوهة التي توقع في المخدرات والزنا والتدخين وغير ذلك من العادات السيئة.
وهذه بعض النصائح للتعامل مع المراهق:
1-   المعاملة الحسنة معه عن طريق الحوار والمناقشة.
2-   استخدام الشورى معه ومع أفراد الأسرة في قضايا الزواج والسفر والشراء.
3-   تعويده على اتخاذ القرارات وعدم إجباره وفرض القرار عليه.
4-   تدريبه على القيام ببعض المسؤوليات كالإشراف على الأسرة في غياب الأب وصيانة المنزل وشراء حاجيات الأسرة.
5-   تعويده على الصرف والاستقلالية المالية وذلك بمنحه مصروفاً مالياً كل شهر أو أسبوع.
6-   تعويده على القيام بالأعمال التطوعية ومساعدة الناس مثل الخدمة في المسجد أو المركز الإسلامي أو جمع التبرعات أو النشاطات الثقافية المختلفة.
7-   تزويد البيت بمكتبة شاملة من الكتب والأشرطة السمعية والبصرية النافعة.
8-   منحه غرفة خاصة به مزودة بكل وسائل الراحة والمعرفة.
9-   التخفيف عنه من الأعمال والواجبات المنزلية حتى يتفرغ للدراسة.
10-     مساعدته في التغلب على مشاكله المدرسية.
11-     المتابعة المستمرة لدراسته معه ومع مدرسيه.
12-     إعطاء الحوافز والهدايا ما تشجعه على التفوق والنجاح.

السبت، 6 يوليو 2013

خطبة الخشوع في الصلاة



بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كملت معرفة العبد لربه أورثت جلال الخوف واحتراق القلب، ثم يفيض الأثر إلى  الجوارح فيكبحها عن المعاصي ويعيدها إلى الطاعات، ويقمع الشهوات ويكدر اللذات، فتتأدب الجوارح، ويحصل في القلب الذبول والخشوع والاستكانة ويفارقه الكبر والحقد والحسد ولا يشغله إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة.
والخشوع هو المظهر الأرقى لصحة القلب وسلامته. وفقدانه فقدان لحياة القلب وخراب له. فهو علم تصفية القلوب وإحيائها، والحضور مع الله والتأمل في المعاني قال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ  والْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا). وفي الحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ومن قلب لا يخشع ومن دعوة لا يستجاب لها).
والخشوع في الصلاة هو ميزان خشوع القلب وعلامته، فالصلاة هي صلة العبد بربه وإتمامها من تمام هذه الصلة فليس المهم كيف يضع يديه أو كيف يجلس المهم هو الباطن، هو قلبه واعيٌ أم غافل. وأدلة ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)، والغفلة تضاد الذكر فمن غفل في جمع صلاته كيف يكون مقيماً للصلاة لذكر الله عز وجل، وقوله تعالى: (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها).
ومن المعاني الباطنة للصلاة حضور القلب وفراغه عن غير ما هو فيه وما هو متكلم به، فيكون القلب مقروناً بهما ولا يجول الفكر في غيرهما، وسببه الهمة فالقلب يتبع الهمة وهو مجبول على ذلك فلا يحضر إلا فيما يهمك. والقلب إذا لم يحضر في الصلاة كان جائلاً فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا فلا علاج لإحضار القلب إلا صرف الهمة إلى الصلاة وذلك بتبيين المطلوب منها. أي بالإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها.
المعنى الثاني هو التفهم لمعنى الكلام، وكم من معانٍ لطيفة يتفهمها المصلي في أثناء الصلاة تمنعه عن الفحشاء والمنكر. وسببه إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى ودفع الخواطر، وذلك بالنزوع عن الأسباب التي تنجذب إليها الخواطر، ثم التعظيم وهو معرفة جلال الله عز وجل وعظمته ومعرفة حقارة النفس وكونه عبداً مسخراً. فيتولد من الموقفين الاستكانة والخشوع والانكسار لله سبحانه وتعالى، ثم الهيبة والخوف من قدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه، وتزداد كلما زاد العلم بالله.
فانظر أيها الغافل في الصلاة بين يدي من تقوم ومن تناجي، أما تعلم أنه مطلع على سريرتك وناظر إلى قلبك وإنما يتقبل منك بقدر خشوعك وخضوعك وتواضعك وتضرعك.
ثم يأتي الرجاء والطمع بمثوبة الله وبسبب معرفة لطفه وكرمه عز وجل ونعمه ولطائف صنعه وصدق وعده بالجنة للمصلين واليقين بذلك.
ثم يأتي الحياء والشعور بالتقصير وتوهم الذنب والعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل ويقوى ذلك بمعرفة عيوب النفس ونواقصها وآفاتها وقلة إخلاصها وميلها إلى الحظ العاجل.
ومن طرق إحضار القلب أن تقدِّر أن رجلاً صالحاً ينظر إليك كيف صلاتك فعند ذلك يتحضر قلبك وتسكن جوارحك، ثم ارجع إلى نفسك وقل ألا تستحين من خالقك ومولاك الذي هو مطلع عليك وناظر إليك وإلى قلبك أهو عندك أقل عندك من عبد ضعيف ليس بيده ضرك ولا نفعك. فما أشد طغيانك وجهلك بخالقك وما أعظم عداوتك لنفسك. فعالج قلبك بهذا.
أما دواء دفع الخواطر العارضة في الصلاة، فأولاً غض البصر وعدم ترك ما يشغله بين يديه، والقرب من الحائط حتى لا تتسع مسافة بصره، والاحتراز من الصلاة في الشوارع أو في المواضع المنقوشة والفرش المصبوغة. هذا فيما يخص الخواطر الظاهرة التي تخطر على الحواس. أما الخواطر الباطنة وهي الأشد فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا ولم ينحصر فكره في فن واحد عليه أن يرد النفس قهراً إلى فهم ما يقرأه في الصلاة ويشغلها به عن غيره. ويعينه على ذلك الاستعداد له قبل التحريم بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة وهول الموقف موقف المناجاة وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وتعالى وهو المطلع. وأن يفرغ قلبه عما يهمه قبل التحريم ويستحضر عظمة الله ويصلي صلاة مودع وكأنها آخر صلاة له. وقد روي أن للعبد بين يد ربه مقامان مقامه في الدنيا في الصلاة ومقامه بين يديه في يوم القيامة فإذا أحسن الأول أحسن الله الثاني.
قال الشاعر بوصف الغافل في الصلاة
تصلى   بلا   قلب   صلاة     بمثلها        يكون   الفتى    مستوجبا      للعقوبة
تظل   وقد   أتممتها   غير      عالم        تزيد   احتياطا   ركعة   بعد     ركعة
فويلك  تدري  من  تناجيه  معرضا       وبين يدي  من  تنحني  غير    مخبتِ
تخاطبه     إياك     نعبد      مقبلا        على   غيره   منها   بغير     ضرورة
أما تستحي من مالك الملك أن يرى       صدودك   عنه   يا   قليل     المروءة

إلهي اهدنا فيمن هديت وخذ بنا إلى الحق نهجاً في سواء الطريقة.