الجمعة، 23 أغسطس 2013

خطبة سلامة القلب والخشوع


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ *)
القلوب ثلاثة أنواع قلب سليم وقلب مريض وقلب ميت.
أما القلب السليم فيقول الله عز وجل فيه في الحديث القدسي: (الإخلاص سر من أسراري أستودعه قلب من أحببت من عبادي لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا يطلع عليه شيطان فيفسده).
والقلب السليم هو قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اطلع الله على قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاختاره لرسالته ثم اطلع على  قلوب العباد من  بعده فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبته).
ولا يملك مفاتيح القلوب إلا خالقها وبارئها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قلوب بني آدم جميعاً بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف يشاء) .
وسلامة القلب وصحته إنما تأتي من معرفة الرب سبحانه وتعالى فإذا عرف الإنسان ربه عز وجل حق المعرفة صار عنده الخوف والاحتراق في القلب ثم ظهر أثر ذلك على جوارحه فامتنع عن المعاصي وترك الشهوات وتأدبت جوارحه وحصل في قلبه الخشوع والاستكانة وترك الكبر والحسد والغش والبغضاء ولم يعد يشغله إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة. والخشوع هو دليل صحة القلب وسلامته وهو علم تصفية القلوب وإحيائها هو علم الحضور مع الله والتأمل في المعاني.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع ومن قلبٍ لا يخشع ومن نفسٍ لا تشبع ومن دعوةٍ لا يستجاب لها).
والخشوع في الصلاة هو ميزان لخشوع القلب وعلامة عليه لأن الصلاة هي صلة العبد بربه وتمامها يعني تمام هذه الصلة. قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)، وقال عز وجل: (وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) فالغفلة عكس الذكر ومن غفل في جميع صلاته فكيف يكون مقيماً للصلاة ولذكر الله عز وجل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها).
والغفلة في الصلاة تنقص كثيراُ من الأجر والثواب فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: (إن العبد لينصرف من صلاته لم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلى أن قال إلا عشرها).
وليس حديث النفس في الدنيا أثناء الصلاة دليلاً على ضلال المصلي أو فسقه أو عدم إيمانه إنما هي وسوسةٌ من الشيطان ولكن على الإنسان أن يجاهد نفسه في طرد هذه الوسوسة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان حتى لا يسمع الأذان فإذا انتهى الأذان والتثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى لا يدري المصلي كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم).
فعلى الإنسان أن يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ووساوسه وأن يحرص على الاستقامة، قال تعالى:
(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ).
فالشيطان أضعف من أن يفسد على المؤمنين سلوكهم وأخلاقهم (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ).
والدواء النافع لطرد الوسواس في الصلاة وترك الانشغال عنها بغيرها هو إحضار القلب وتفريغه عن كل ما يشغله سوى الصلاة لأن القلب يتبع الهمة يعنى يذكر دائماً ما هو مهم فإذا كانت الصلاة هي أهم شيء لدى المصلي صرف همه إليها ولم يشغله عنها شيء. وإنما يكون ذلك بأن يعلم المطلوب منها والمقصود بها، بأن يذكر دوماً  بأن الآخرة هي أهم شيء والسعادة في الآخرة برضا الله وبدخول الجنة هو ما يطمح له المؤمن فالآخرة هي خير و أبقى. والصلاة وسيلة لهذه الآخرة وسيلة لرضا الله عز وجل وإتباع لأمره. أما من كانت همومه مصروفة للدنيا ومشاكلها ومشاغلها فعليه أن يرد نفسه قهراً إلى فهم ما يقرأ في الصلاة أو فهم الكلام الذي يسمعه من الإمام و إدمان الفكر في آيات الله عز وجل.
و يمكن أن يستعد لذلك قبل بدء الصلاة بأن يجد على نفسه ذكر الآخرة و حول الموقف موقف المناجاة بين أيدي الله عز و جل و هو العالم و هو المطلع على أسرار القلوب و أن يفرغ قلبه عن ما يشغله قبل الدخول في الصلاة و أن يستحضر عظمة الله عز و جل و يصلي صلاة مودع أي يعتبر أنها أخر صلاة له وسيلقى بعدها ربه فكيف يصلي عندئذ، لابد أنه يسعى لأن تكون في أحسن صورة و أتم خشوع. و قد روي أن للعبد بين يدي ربه مقامان مقامه في الدنيا في الصلاة و مقامه بين يدي ربه يوم القيامة فإذا أحسن الأول أحسن الله له الثاني. 
وعلى المؤمن أن يقوي تعقله وتدبره وخشوعه في الصلاة ويسعى لأن يصل إلى مقام الإحسان الذي  فسره رسول الله صلى الله عيه و سلم بقوله: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).  
و لا ريب أن كثرة الهواجس والوساوس في الصلاة هي بحسب كثرة الشبهات و الشهوات خارج الصلاة. فمن اتقى الله خارج الصلاة و ابتعد عن المحرمات والموبقات وتجنب الضلالات سلمت صلاته من الوسواس و المشاغل و الملهيات.
وإنما يجب أن يتجاذب المؤمن في صلاته شعوران: شعور الخوف و الرهبة والهيبة من قدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته، وإنما يزداد بزيادة معرفة الله عز وجل وأنه مطلع على سريرته و ناظر إلى قلبه وإنما يتقبل منه بقدر خشوعه و خضوعه و حسب تواضعه و تضرعه.
والشعور الثاني هو الرجاء و الطمع بمثوبة الله عز وجل وكرمه ونعمته واليقين بصدق وعده بالجنة للمصلين.
أما الخواطر الظاهرة التي تعرض للإنسان في صلاته فعليه أن يدفعها بأن يغض بصره ولا يجيل بصره في المسجد، بل أن ينظر إلى موضع سجوده وأن يصلي في مكان هادئ ولا يضع أمامه ما يلفت نظره كالزخارف والنقوش والكتابات .
قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: ( أنا رجل في ثلاث إذا كنت في الصلاة فإني لا أحدث نفسي بغير ما أنا فيه من الطاعة, وإذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم  حديثاً فإنه لا يقع في قلبي ريب إنه الحق، وإذا كنت مشيعاً جنازة فإني لا أحدث نفسي بغير ما تقول أو يقال لها ).
وقد قيل لرجل من السلف الصالح يقال له عمر أتحدث نفسك بشيء في الصلاة فقال: و هل هناك شيء أحب إلي من الصلاة حتى أحدث نفسي به ؟ فقالوا: إنا لنفعل . فقال أبالجنة و نعيمها تحدثون أنفسكم؟ قالوا: لا بل بالأهل والمال والدنيا، فقال: لأن أضرب بالسيف أحب إلي من أن أحدث نفسي بمثل ما تفعلون. فأولى بالمؤمن أن يجد راحته وطمأنينته وسعادته حين يقف بين يدي ربه يؤدي صلاته على أحسن ما تقام مختاراً لها أنظف الأماكن وأهدأها وأبعدها عن المشاغل والملهيات و خير مكان يختاره هو المسجد وراء الإمام فصلاة الجماعة تفوق صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة. و ليدخل صلاته بنفس صافية راضية نقية وهو يتمثل قول الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون). فما أفلح إلا من زكا وتزكى و اتقى وما خاب إلا من طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا.

هناك تعليق واحد:

  1. King Of Slots - Shootercasino
    King Of Slots King Of Slots has two classic slots titles kadangpintar from this time around, and is a great spot 메리트카지노총판 for the latest slots titles 제왕 카지노 to

    ردحذف